صحة

العودة إلى الدراسة «بحذر» خلال جائحة {كورونا}

حيرة وجدل في العالم لتقرير العودة إلى «المدارس» أم «الدراسة عن بُعد»

جدة: د. عبد الحفيظ يحيى خوجة

رافقت جائحة كوفيد – 19 تغيرات مختلفة شملت معظم مناحي الحياة، وآخرها قرار العودة إلى الدراسة للعام الجديد، ما بين العودة «جسديا» إلى الفصول المدرسية أو «افتراضيا» عبر الدراسة عن بُعد. وتتحمل عبء هذا القرار الحكومات متمثلة في كل من السلطات المسؤولة عن التعليم والمسؤولة عن الصحة، إذ يتعين ضرورة الأخذ بالاعتبار وضع الصحة العامة، والفوائد والأخطار المتأتية عن طريقة استئناف التعليم، وعوامل أخرى متشعبة. ويجب أن نضع في مركز هذه القرارات مصلحة الطفل وسلامته الجسدية والنفسية ودعم الوالدين وقناعتهم وراحتهم على حدٍ سواء.

ولا شك في أن التعليم في المدارس حضوريا (جسديا) هو الطريقة الأفضل للتعليم ليس للقراءة والكتابة والرياضيات فحسب وإنما لتعلم المهارات الاجتماعية والعاطفية وممارسة التمارين والحصول على دعم الصحة العقلية والخدمات الأخرى التي لا يمكن توفيرها بالتعلم عبر الإنترنت (عن بُعد). وتُعد المدارس، بالنسبة للعديد من الأطفال والمراهقين، أماكن آمنة للتواجد أثناء عمل الآباء أو الأوصياء وأيضا للحصول على وجبات صحية، والوصول إلى الإنترنت والخدمات الحيوية الأخرى. إلا أن ذلك لن يكون آمناً إلا عندما يكون المجتمع قد أحكم السيطرة على فيروس جائحة «كوفيد19»، ومن دون وجود زيادة في خطر انتشاره.

– الوضع العالمي

هناك أكثر من مليار طالب، في العالم، ظلوا خارج مدارسهم بسبب إغلاق المدارس على المستوى العالمي لوقف انتشار «كورونا المستجد». ومع بداية العام الدراسي الجديد، ونظراً لصعوبة الأوضاع وتنوعاتها في جميع أنحاء العالم، تخوض البلدان المختلفة حالياً نقاشات حول كيفية التخطيط لإعادة فتح المدارس، وتوقيت ذلك، أو إقرار جعلها عن بُعد. ووفقا لمنظمة «اليونيسيف» فقد قررت 105 من إجمالي 134 دولة (78 في المائة) التي أغلقت المدارس، إعادة فتح مدارسها. وبالفعل فقد عاد مئات الملايين من الطلاب إلى مدارسهم في الأسابيع الأخيرة.

ما هي المؤشرات وراء إقدام دُوَلٍ على إعادة فتح مدارسها وتوجه دُوَلٍ أخرى لبدء الدراسة عن بُعد؟

في الوضع المثالي، تعمل السلطات المسؤولة عن التعليم في كل دولة مع خبراء الصحة العامة وأولياء الأمور لتحديد أفضل طريقة للتعليم في ظل جائحة كوفيد – 19. وسواء عاد أطفالنا إلى الحرم التعليمي جسديا أو بقوا في المنزل للتعلم عن بُعد، فسوف نقدم هنا نصائح حول أفضل السبل للتعامل مع كل موقف منهما.

– عودة التعليم المدرسي

يتفق الجميع على ألا يُعاد فتح المدارس إلا عندما تكون آمنة للطلاب. ومن المرجح أن تبدو العودة إلى المدارس مختلفة عما اعتدنا عليه وما اعتاد عليه أطفالنا في السابق. ومن بعض السيناريوهات المحتملة أن تُفتح المدارس لفترة من الوقت ثم يصدر قرار بإغلاقها من جديد مؤقتاً، وذلك اعتماداً على التطورات المستمرة لوضع كورونا المستجد، وهذا يحتاج إلى مرونة عالية من السلطات للتكيف من أجل التحقق من سلامة كل طفل.

وحتى الدول التي لم تقرر بعد إعادة فتح المدارس، فمن الأهمية الحاسمة أن تبدأ بالتخطيط لذلك من الآن، للمساعدة على ضمان سلامة الطلاب والمعلمين والموظفين عند عودتهم وضمان اقتناع المجتمعات المحلية بإعادة الأطفال إلى المدارس.

ويجب أن تكون إعادة فتح المدارس، في الدول التي أقرتها، متسقة مع الاستجابة الصحية العامة لكوفيد – 19 في البلد المعني، وذلك لحماية الطلاب والموظفين والمعلمين وأسرهم. ومع ما تبديه معظم الحكومات من قدرتها على تخفيف بعض القيود بأمان، يتوق الكثيرون لعودة الطلاب إلى المدارس، وخاصة الأطفال الصغار، للسماح لأهاليهم بالعودة إلى العمل.

وقد أعادت دول مثل الصين وتايوان فتح المدارس، كما توجهت المملكة المتحدة لإعادة فتح المدارس للأطفال الصغار. وفي الدنمارك، على سبيل المثال، تم تنظيف الفصول الدراسية بشكل عميق، وتم فصل المقاعد بشكل جيد.

– نصائح السلامة

أصدرت اليونيسف «إطار إعادة فتح المدارس» وذلك بالتعاون مع اليونيسكو ومفوضية الأمم المتحدة بهدف البقاء في أمان ومنع انتشار «كوفيد – 19». وفيما يلي عدد من الخطوات التي أوصت باتخاذها:

> التباعد الجسدي: وهو بقاء الطلاب وكذلك المدرسين على مسافة (1 – 2) متر على الأقل مع تجنب الاتصال الوثيق بينهم وتغطية الأنف والفم بكمامة من القماش تساعد في منع انتشار الفيروس. ويجب الحد من الاجتماعات الشخصية مع البالغين الآخرين وتجنب مناطق قاعات الموظفين، مثلا. ويستحسن استخدام المساحات الخارجية للمدارس والمساحات غير المستخدمة للتعليم والوجبات والأنشطة والتمارين الرياضية للمساعدة في التباعد.

> استخدام الكمامة ونظافة اليدين: يجب على جميع الأطفال فوق سن عامين وجميع البالغين ارتداء كمامة من القماش بشكل صحيح بحيث تغطي الأنف والفم لمنع انتشار الفيروس وهي آمنة للارتداء لفترات طويلة من الوقت مثلا طوال اليوم الدراسي.

> غسل اليدين: بالماء والصابون، وتطبيق الآداب التنفسية (أي احتواء السعال والعطس بالذراع بعد ثني الكوع).

> الحد من التقاء الطلاب في الممرات خارج الفصل الدراسي: ويمكن تحقيق ذلك من خلال:

– انتقال المعلمين بين الفصول الدراسية، بدلاً من ذهاب الطلاب إلى فصول المعلمين.

– السماح للطلاب بتناول وجبات الغداء في مكاتبهم أو في مجموعات صغيرة بالخارج بدلاً من غرف الطعام المزدحمة.

– ترك أبواب الفصل الدراسي مفتوحة.

> قياس درجات حرارة الطلاب في المدرسة: قد لا يكون عمليا، وعليه تتم مراقبة صحة الطفل في المنزل وإبقائه إذا ارتفعت حرارته إلى 38 درجة مئوية أو أكثر أو ظهرت عليه أي من علامات المرض.

> مراقبة الأعراض: يقيس الممرض بالمدرسة درجة حرارة أي شخص يشعر بالمرض أثناء اليوم الدراسي، ويجب أن تكون هناك منطقة محددة لفصل أو عزل الطلاب الذين لا يشعرون بتحسن. وللبقاء في أمان، يجب على الممرض استخدام معدات الوقاية الشخصية مثل قناع N95 ودرع الوجه والقفازات والرداء الطبي ذو الاستخدام لمرة واحدة.

> التنظيف والتعقيم: يجب أن تتبع المدارس الإرشادات الطبية بشأن تعقيم الفصول الدراسية والمناطق المشتركة في المدرسة.

> التدرج في بدء اليوم الدراسي وإنهائه، بحيث يبدأ وينتهي في أوقات مختلفة لمجموعات مختلفة من الطلاب.

> تدريب الموظفين الإداريين والمعلمين على ممارسات التباعد الاجتماعي وممارسات النظافة الصحية في المدرسة.

> أن تكون جميع مرافق المياه والنظافة الصحية جيدة وعلى نحو آمن عند إعادة فتح المدارس.

ومهما كانت الإجراءات التي تتخذها المدارس، تظل العودة إلى المدرسة أثناء جائحة «كوفيد – 19» غير طبيعية – على الأقل لفترة من الوقت – وتتطلب دعم الجميع للتأكد من أنها صحية وآمنة ومنصفة للطلاب والمعلمين والموظفين والأسر.

– التعليم الافتراضي

> تحذيرات العودة المدرسية. حذر منتدى الاقتصاد العالمي (The World Economic Forum) من العودة السريعة للمدارس وأشار عبر موقعه على شبكة التواصل الاجتماعي (تويتر) أن إعادة فتح المدارس مبكراً جداً قد تؤدي إلى نشر الفيروس بشكل أسرع – خاصة في العالم النامي، مؤكداً أن البلدان منخفضة الدخل تواجه مجموعة مختلفة تماماً من الظروف عن البلدان ذات الدخل المرتفع عندما يتعلق الأمر بإعادة فتح المدارس بعد الإغلاق.

ومما يؤكد ذلك أن أعداد حالات المصابين بكوفيد – 19. في العديد من البلدان، تناقصت بعد تنفيذ التباعد الاجتماعي وإغلاق المدارس.

> فوائد التعليم عن بعد. هناك عدد من الدراسات التي تدعم التعليم عن بُعد:

– أشارت إحدى الدراسات التي أجريت في الصين خلال الجائحة ونشرت في مجلة «Science» إلى أن إغلاق المدارس يمكن أن يقلل من العدوى ويؤخر الوباء.

> قدر باحثون من الصين وبوسطن الأميركية وإيطاليا في مسوحات «ووهان» أن إزالة جميع الفعاليات التي تجري عادة في المدارس للأطفال حتى سن 14 عاماً، سيؤدي إلى انخفاض متوسط العدد اليومي للحالات الجديدة بحوالي 42 في المائة.

– وجدت دراسة من شنزن، في جنوب شرقي الصين، نُشرت في مجلة «ذا لانسيت» في أبريل (نيسان) الماضي أن الأطفال معرضون لخطر الإصابة بالفيروس تماماً مثل بقية السكان ولكن نادراً ما تظهر عليهم أعراض حادة، ويجب توخي الحذر لدى الدول في إعادة فتح المدارس.

– أخبر الدكتور توم وينجفيلد، كبير المحاضرين السريريين والطبيب الفخري في مدرسة ليفربول لطب المناطق الحارة، شبكة CNN أن الأدلة الموجودة في جميع المجالات تُظهر أن إغلاق المدارس سيقلل من انتقال العدوى، إلى جانب مجموعة من التدخلات الاجتماعية الأخرى عن بعد.

وبالنسبة لإعادة فتح المدارس فهناك العديد من الطرق المختلفة، بما في ذلك إعادة الفتح الجزئي لفئات عمرية معينة وساعات متداخلة.

– الدراسة عن بُعد للفصل الدراسي الأوّل في السعودية

> في السعودية، واستشعارا للمسؤولية في حماية الطلاب والطالبات والمجتمع السعودي بكامله من تزايد وانتشار حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، فقد قررت المملكة تطبيق الدراسة عن بُعد للفصل الدراسي الأول لهذا العام. ووفقا لعضو مجلس الشورى الدكتورة نهاد الجشي، فقد جاء هذا القرار بناء على متابعة تجارب بعض الدول التي افتتحت مدارسها حيث كشفت التقارير الواردة من بعض تلك البلدان ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا بين الطلاب خاصة أن الفيروس سريع الانتشار ولديه العديد من طرق العدوى منها ملامسة الأسطح والتعرض لإفرازات المصاب أو الرذاذ العالق في الهواء. ورغم الإجراءات الوقائية والاحترازية التي اتخذتها تلك الدول فقد انتقلت العدوى بسبب تجمعات الطلاب الذين يصعب تقيدهم بالإجراءات الاحترازية إضافة إلى ما يميز الطلاب الشباب من الاندفاع وخلق ثغرات قد تؤدي للإصابة ونشر العدوى.

– نصائح لصحة طلاب التعليم الافتراضي

هناك أربع نصائح مهمة لصحة وسلامة الطالب خلال التعلم الافتراضي بالمنزل:

> صحة العينين. مع نظام التعلم الافتراضي سوف يقضي الطالب ساعات طويلة يومياً في النظر إلى شاشة الكومبيوتر. فلا بد للوالدين من ملاحظة أي علامة تدل على إجهاد العين مثل الصداع، وعندها يمكن ضبط عناصر التحكم في الضوء الأزرق على جهاز الكومبيوتر والتأكد من أن الطفل يأخذ قسطا من الراحة على فترات متكررة، وإذا استمر إجهاد وحساسية العين وجبت استشارة طبيب العيون.

> الرقابة الأبوية. قد يتم، تلقائيا، إغلاق وحظر أي موقع إلكتروني غير معتمد من المدرسة في أجهزة التعليم المنزلية، كما تتوفر في معظم أجهزة الكومبيوتر برامج للرقابة الأبوية يمكن من خلالها ضبط جهاز كومبيوتر الطفل على حظر المواقع الإباحية، والأخرى الأكثر عنفاً. كما يمكن أيضاً تحديد الوقت الذي يمكن للطفل أن يقضيه على الكومبيوتر.

> الصحة النفسية. خلال التعلم الافتراضي بالمنزل، من المحتمل أن يفتقد الطفل أصدقاءه ويصاب بأحد الاضطرابات النفسية كالاكتئاب. وعلى أفراد الأسرة التقرب أكثر للطفل ومشاركته اللعب والمرح تخفيفا من هذا الشعور.

> المحافظة على النشاط البدني. من المهم أن توفر لطفلك متنفساً خلال فترة بقائه بالمنزل في التعلم الافتراضي يساعده على حرق بعض الطاقة المكبوتة التي قد يشعر بها، ويعوضه عن النشاط البدني الذي كان يبذله في المدرسة.

– استشاري طب المجتمع



مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى