الأخبار الوطنيّة

سعيد والاتحاد: المعركة المؤجلة والقادمة لا محالة



السلطة فقط للدولة والحكم لمؤسساتها، رأي يقابله فكر آخر قوامه أنه لا يمكن تقرير مصير البلاد وشعبها بمعزل عن سلطة اتحاد الشغل،هذا عمق الخلاف بين قيس سعيد والمنظمة الشغيلة، الأول يريد مزيدا من مكتسبات التحكم في السلطة وإدارة حكم والثاني لا يريد التفريط في دوره الوطني في اتخاذ القرارات الحاسمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومعركة الاتحاد مع السلطة بعد الثورة تحولت من جدال ايديولوجي، اتهمت فيه النهضة الاتحاد كونه  مترجما للفكر اليساري، إلى معركة ذات أبعاد مختلفة مع سعيد أساسها القدرة على الحكم وصنع القرار في البلاد.

اليوم ربما بلغنا  مرحلة الحسم في نظر كل طرف منهما, وهي كذلك مرحلة إنتهاء الود بين السلطة الحاكمة في تونس والاتحاد العام التونسي للشغل، وانتهت الهدنة المؤقتة بين نور الدين الطبوبي وقيس سعيد، ومرت المعركة من التصريحات إلى الإجراءات، وأظن أننا بلغنا مرحلة الإيقافات مقابل الإضرابات، وواضح جدا أن طبول الحرب بدأت تقرع في قرطاج وفي بطحاء محمد علي باستعداد كل من الرئاسة والاتحاد لمزيد من التصعيد.

وأكثر من أي وقت مضى، باتت العلاقة بين رئاسة الجمهورية والاتحاد العام التونسي للشغل متوترة ومؤهلة إلى التأزم أكثر في ظل تنوع مسبباتها وتعددها، فالتقارب غاب بينهما في الملفات السياسية وكذلك الاجتماعية والاقتصادية، وهوّة التباعد  بينهما شاسعة، ولا نقطة ضوء واحدة توحي بأن الطريق نهايته ستكون سلما اجتماعيا.

واضح أن بوادر اندلاع المعركة المؤجلة قد تجلت وأصبحت معلنة ويبدو أن الأمور تسير نحو التصعيد في ظل غياب مؤشرات عن إمكانية جلوس قادة الاتحاد مع الرئيس خاصة بعد ايقاف كاتب عام نقابة الطرقات السيارة اثر تنفيذ إضراب عن العمل، وكذلك بعد الوعيد الذي أطلقه سعيد من داخل ثكنة الحرس الوطني واعتباره أن هناك تخفيا  وراء العمل النقابي لتحقيق مآرب سياسية، وقابلته دعوة من المكتب التنفيذي للاتحاد كل النقابيين للحشد للدفاع عن الحق النقابي.

منذ تولي قيس سعيد سنة 2019، وحتى بعد 25 جويلية 2021، لم يتحقق الحوار المنشود، الاتحاد يقاطع والرئيس يرفض.. رئيس الجمهورية قيس سعيد لم يكترث لدعوات الاتحاد العام التونسي للشغل لاطلاق حوار وطني ولم يتفاعل مع مبادرة الإنقاذ الوطني ولم يبال بها، والاتحاد بدوره ردّ  الصاع صاعين وفضل عدم المشاركة في الحوار الذي أطلقته رئاسة الجمهورية لصياغة دستور عرض على الاستفتاء الدستوري، بل إنه أطلق أنذاك حوارا بالتوازي مع الحوار الذي أطلقته الرئاسة وقدم مشروع دستور.

اللامبالاة بالحوار، ليست الفتيل الوحيد الذي أشعل المعركة الحاسمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل ورئيس الجمهورية قيس سعيد، بل إن عدم اعتراف الرئيس بكل الاتفاقيات المبرمة بين الحكومات والاتحاد التي سبقت تاريخ 25 جويلية واعتبارها في طي النسيان في اطار معركة التحرر الوطني  هو السبب الذي سيكون أكثر ثقلا في المواجهة بين الطرفين.

الخلافات والاختلافات لا تتوقف عند هذا الحد، وإن دعوة اتحاد الشغل ومنظمات المجتمع المدني المنخرطة في مبادرة الإنقاذ الوطني لالغاء الانتخابات التشريعية 2022 مقابل تمسك الرئيس بعدم العودة إلى الحكم تحت منطق التوافق الوطني وخارج مؤسسات الدولة هي القطرات التي أسهمت في فيضان الكأس.

والظاهر أن سعيد يرى نفسه أنه قد أنهى حربه مع الأحزاب التي حكمت البلاد قبل 25 جويلية بانهاء خارطة الطريق التي حددها ويتنظيم انتخابات تشريعية ستنتهي بتنصيب برلمان جديد، ويرى أن المرحلة حانت للحد من سلطة ووزن المنظمة الشغيلة في البلاد وحانت لحظة المعركة المؤجلة.

وبينما يستعد قيس سعيد لمعركته مع الاتحاد بتعزيز صفوفه بالنقابيبي البارز محمد علي البوغديري  وتوزيره لشق صفوف الاتحاد، فسعيد يعلم توتر العلاقات بين البوغديري والأمين العام للاتحاد مقابل حسن علاقته مع نقابات التعليم وخاصة مع لسعد اليعقوبي، تمر المنظمة الشغيلة إلى السرعة القصوى بدعوة النقابيين إلى الحشد والاعلان عن سلسلة من الإضرابات.

في الحقيقة لم تكن الفترة الماضية إلا هدوءا مسبوقا بالحذر ، فتصريحات سعيد والطبوبي منذ أشهر لا تعدو إلا أن تكون إعلان نوايا حرب، ونحن أمام رئيس يرى أن السلطة لا بد أن تكون فقط بيد المؤسسات التابعة للسلطة التنفيذية ويصنف قدرة الاتحاد على اتخاذ قرارات تخص العمل أو توقفه سلطة موازية لسلطاته، بينما يرى الاتحاد أن لا حق للسلطة التنفيذية في تقرير مصير الشعب دون أن تشاركها في ذلك الأطراف الاجتماعية ودون توفر الحد الأدنى للعمل النقابي.

المعركة بين قطبين نافذين في البلاد ستكون تبعاتها قاسية وارتدادتها حادة جدا، وحتما ستكون البلاد هي الخاسر الأكبر، ولن تتحقق لا الهدنة الاجتماعية التي تنشدها السلطة ولن تتحقق مطالب النقابيين بالتصعيد.

حقائق اون لاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى